فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال ابن عباس: لا تصلّ مرائيًا للناس ولا تدعها مخافة الناس.
الثانية: عبّر تعالى بالصلاة هنا عن القراءة كما عبر بالقراءة عن الصلاة في قوله: {وَقُرْآنَ الفجر إِنَّ قُرْآنَ الفجر كَانَ مَشْهُودًا} لأن كل واحد منهما مرتبط بالآخر؛ لأن الصلاة تشتمل على قراءة وركوع وسجود فهي من جملة أجزائها؛ فعبر بالجزء عن الجملة وبالجملة عن الجزء على عادة العرب في المجاز وهو كثير؛ ومنه الحديث الصحيح: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي» أي قراءة الفاتحة على ما تقدّم.
قوله تعالى: {وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا}
هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذًا: عزير وعيسى والملائكة ذرية الله سبحانه؛ تعالى الله عن أقوالهم! {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ فِي الملك} لأنه واحد لا شريك له في ملكه ولا في عبادته.
{وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ الذل} قال مجاهد: المعنى لم يحالف أحدًا ولا ابتغى نصر أحد؛ أي لم يكن له ناصر يجيره من الذل فيكون مدافعًا، وقال الكلبي: لم يكن له وليّ من اليهود والنصارى؛ لأنهم أذل الناس، ردًا لقولهم: نحن أبناء الله وأحباؤه.
وقال الحسن بن الفضل: {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مَّنَ الذل} يعني لم يذلّ فيحتاج إلى وليّ ولا ناصر لعزته وكبريائه.
{وكبّره تكبيرًا} أي عظمة تامة.
ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر؛ أي صفه بأنه أكبر من كل شيء.
قال الشاعر:
رأيتُ الله أكبر كل شيء ** محاولة وأكثرهم جنودًا

وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة قال: «الله أكبر» وقد تقدّم أوّل الكتاب.
وقال عمر بن الخطاب: قول العبد الله أكبر خير من الدنيا وما فيها.
وهذه الآية هي خاتمة التوراة.
روى مطرِّف عن عبد الله بن كعب قال: افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت بخاتمة هذه السورة.
وفي الخبر: «أنها آية العز» رواه معاذ بن جبل عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه {وقل الحمد لله الذي} الآية.
وقال عبد الحميد بن واصل: سمعت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من قرأ وقل الحمد لله الآية كتب الله له من الأجر مثل الأرض والجبال لأن الله تعالى يقول فيمن زعم أن له ولدًا تكاد السموات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتَخِرّ الجبال هَدًّا} وجاء في الخبر: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا شكا إليه بالدَّين بأن يقرأ {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} إلى آخر السورة ثم يقول: توكلت على الحي الذي لا يموت؛ ثلاث مرات». اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
قال ابن عباس: تهجد الرسول صلى الله عليه وسلم ذات ليلة بمكة فجعل يقول في سجوده: «يا رحمن يا رحيم».
فقال المشركون: كان محمد يدعو إلهًا واحدًا فهو الآن يدعو إلهين اثنين الله والرحمن، ما الرحمن إلاّ رحمن اليمامة يعنون مسيلمة فنزلت قاله في التحرير.
ونقل ابن عطية نحوًا منه عن مكحول.
وقال عن ابن عباس: سمعه المشركون يدعو يا الله يا رحمن، فقالوا: كان يدعو إلهًا واحدًا وهو يدعو إلهين فنزلت.
وقال ميمون بن مهران: كان عليه السلام يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتبها فقال مشركوا العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فنزلت: وقال الضحاك: قال أهل الكتاب للرسول صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فنزلت لما لجوّا في إنكار القرآن أن يكون الله نزله على رسوله عليه السلام وعجزوا عن معارضته، وكان عليه الصلاة والسلام قد جاءهم بتوحيد الله والرفض لآلهتهم عدلوا إلى رميه عليه الصلاة والسلام بأن ما نهاهم عنه رجع هو إليه، فردّ الله تعالى عليهم بقوله: {قل ادعوا الله} الآية.
والظاهر من أسباب النزول أن الدعاء هنا قوله يا رحمن يا رحيم أو يا الله يا رحمن من الدعاء بمعنى النداء، والمعنى: إن دعوتم الله فهو اسمه وإن دعوتم الرحمن فهو صفته.
قال الزمخشري: والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء وهو يتعدّى إلى مفعولين، تقول: دعوته زيدًا ثم تترك أحدهما استغناءً عنه، فتقول: دعوت زيدًا انتهى.
ودعوت هذه من الأفعال التي تتعدّى إلى اثنين ثانيهما بحرف جر، تقول: دعوت والدي بزيد ثم تتسع فتحذف الباء.
وقال الشاعر في دعا هذه:
دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن ** أخاها ولم أرضع لها بلبان

وهي أفعال تتعدى إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر، يحفظ ويقتصر فيها على السماع وعلى ما قال الزمخشري يكون الثاني لقوله: {ادعوا} لفظ الجلالة، ولفظ {الرحمن} وهو الذي دخل عليه الباء ثم حذف وكأن التقدير {ادعوا} معبودكم بالله أو ادعوه بالرحمن ولهذا قال الزمخشري: المراد بهما اسم المسمى وأو للتخيير، فمعنى {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} سموا بهذا الاسم أو بهذا، واذكروا إما هذا وإما هذا انتهى.
وكذا قال ابن عطية هما اسمان لمسمى واحد، فإن دعوتموه بالله فهو ذاك، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذاك وأي هنا شرطية.
والتنوين قيل عوض من المضاف و{ما} زائدة مؤكدة.
وقيل: {ما} شرط ودخل شرط على شرط.
وقرأ طلحة بن مصروف.
{أيًا} من {تدعوا} فاحتمل أن تكون من زائدة على مذهب الكسائي إذ قد ادّعى زيادتها في قوله:
يا شاة من قنص لمن حلت له

واحتمل أن يكون جمع بين أداتي شرط على وجه الشذوذ كما جمع بين حرفي جر نحو قول الشاعر:
فأصبحن لا يسألنني عن بما به

وذلك لاختلاف اللفظ.
والضمير في {فله} عائد على مسمى الاسمين وهو واحد، أي فلمسماهما {الأسماء الحسنى}، وتقدم الكلام على قوله: {الأسماء الحسنى} في الأعراف.
وقوله: {فله} هو جواب الشرط.
قيل: ومن وقف على {أيًا} جعل معناه أي اللفظين دعوتموه به جاز، ثم استأنف فقال ما تدعوه {فله الأسماء الحسنى} وهذا لا يصح لأن ما لا تطلق على آحاد أولي العلم، ولأن الشرط يقتضي عمومًا ولا يصح هنا، والصلاة هنا الدعاء قاله ابن عباس وعائشة وجماعة.
وعن ابن عباس أيضًا: هي قراءة القرآن في الصلاة فهو على حذف مضاف أي بقراءة الصلاة، ولا يلبس تقدير هذا المضاف لأنه معلوم أن الجهر والمخافتة معتقبان على الصوت لا غير، والصلاة أفعال وأذكار وكان عليه الصلاة والسلام يرفع صوته بقراءته فيسب المشركون ويلغون فأمر بأن يخفض من صوته حتى لا يسمع المشركين، وأن لا يخافت حتى يسمعه من وراءه من المؤمنين.
{وابتغ بين ذلك} أي بين الجهر والمخافتة {سبيلًا} وسطًا وتقدم الكلام على {بين ذلك} في قوله: {عوان بين ذلك} وقال ابن عباس أيضًا والحسن: لا تحسن علانيتها وتسيء سرّيتها.
وعن عائشة: الصلاة يراد بها هنا التشهد.
وقال ابن سيرين: كان الأعراب يجهرون بتشهدهم فنزلت الآية في ذلك، وكان أبو بكر يسرّ قراءته وعمر يجهر بها.
فقيل لهما في ذلك فقال أبو بكر: إنما أناجي ربي وهو يعلم حاجتي.
وقال عمر: أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت قيل لأبي بكر ارفع أنت قليلًا.
وقيل لعمر: اخفض أنت قليلًا.
وعن ابن عباس أيضًا: المعنى {ولا تجهر} بصلاة النهار {ولا تخافت} بصلاة الليل.
وقال ابن زيد: معنى الآية على ما يفعله أهل الإنجيل والتوراة من رفع الصوت أحيانًا فيرفع الناس معه، ويخفض أحيانًا فيسكت الناس خلفه انتهى.
كما يفعل أهل زماننا من رفع الصوت بالتلحين وطرائق النغم المتخذة للغناء.
ولما ذكر تعالى أنه واحد وإن تعددت أسماؤه أمر تعالى أن يحمده على ما أنعم به عليه مما آتاه من شرف الرسالة والاصطفاء، ووصف نفسه بأنه {لم يتخذ ولدًا} فيعتقد فيه تكثر بالنوع، وكان ذلك ردًّا على اليهود والنصاري والعرب الذين عبدوا الأصنام وجعلوها شركاء لله، والعرب الذين عبدوا الملائكة واعتقدوا أنهم بنات الله.
ونفى أولًا الولد خصوصًا ثم نفى الشريك في ملكه وهو أعم من أن ينسب إليه ولد فيشركه أو غيره، ولما نفى الولد ونفى الشريك نفى الولي وهو الناصر، وهو أعم من أن يكون ولدًا أو شريكًا أو غير شريك.
ولما كان اتخاذ الولي قد يكون للانتصار والاعتزاز به والاحتماء من الذلَّ وقد يكون للتفضل والرحمة لمن والى من صالحيّ عباده كان النفي لمن ينتصر به من أجل المذلة، إذ كان مورد الولاية يحتمل هذين الوجهين فنفى الجهة التي لأجل النقص بخلاف الولد والشريك فإنهما نفيًا على الإطلاق.
وجاء الوصف الأول بقوله: {الذي لم يتخذ ولدًا} والمعنى أنه تعالى لم يسم ولم يعدّ أحدًا ولدًا ولم ينفه بجهة التوالد لاستحالة ذلك في بدائه العقول، فلا يتعرض لنفيه بالمنقول ولذلك جاء ما اتخذ الله من ولد لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا.
وقال مجاهد: في قوله: {ولم يكن له وليّ من الذلّ} المعنى لم يخالف أحدًا ولا ابتغى نصر أحد.
وقال الزمخشري: {وليّ من الذلّ} ناصر من الذلّ ومانع له منه لاعتزازه به، أو لم يوال أحدًا من أجل المذلة به ليدفعها بموالاته انتهى.
وقيل: ولم يكن له {ولي} من اليهود والنصاري لأنهم أذل الناس فيكون {من الذل} صفة لولي انتهى.
أي {ولي من} أهل {الذل}، فعلى هذا وما تقدّم يكون {من} في معنى المفعول به أو للسبب أو للتبعيض.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف لاق وصفه بنفي الولد والشريك والذل بكلمة التحميد؟ قلت: لأن من هذا وصفه هو الذي يقدر على إيلاء كل نعمة فهو الذي يستحق جنس الحمد، والذي تقرر أن النفي تسلط من حيث المعنى على القيد أي لا ذل يوجد في حقه فيكون له ولي ينتصر به منه، فالذل والولي الذي يكون اتخاذه بسببه منتفيان.
{وكبره تكبيرًا} التكبير أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال، وأكد بالمصدر تحقيقًا له وإبلاغًا في معناه، وابتدئت هذه السورة بتنزيه الله تعالى واختتمت به، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية {وقل الحمد لله} إلى آخرها والله أعلم. اهـ.

.قال الثعالبي:

وقوله سبحانه: {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن...} الآية:
سبب نزول هذه الآية: أنَّ بعض المشركين سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يدعو: يا اللَّه يا رَحْمَانَ، فقالوا: كان محمَّدٌ يأمرنا بدعاءِ إله واحدٍ، وهو يدْعو إِلَهْين، قاله ابن عباس، فنزلَتِ الآية مبيِّنةً، أنها أسماء لمسمًّى واحد، وتقدير الآية: أيُّ الأسماءِ تدعو به، فأنت مصيبٌ، فله الأسماءُ الحسنى، وفي صحيحِ البخاريِّ بسنده عن ابن عباس في قوله سبحانه: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قَالَ: نَزَلَتْ ورسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخْتَفٍ بمكَّةَ، كان إِذَا صَلَّى بأصحابه، رَفَعَ صَوْتَهُ بالقرآن، فإِذا سمعه المشْرِكُون، سَبُّوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال اللَّه تبارك وتعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}، أي: بقراءتك، فيسمَعَ المشركونَ فيسبوا القرآن، {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك؛ فلا تسمعهم، {وابتغ بَيْنَ ذلك سَبِيلًا}، وأسند البخاريُّ عن عائشة: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} قالتُ: أنزل ذلك في الدعاءِ انتهى.

.قال أبو السعود:

{قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن}
نزل حين سمع المشركون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا الله يا رحمن» فقالوا: إنه ينهانا عن عبادة إلهين وهو يدعو إلها آخرَ. وقالت اليهود: إنك لتُقِلّ ذكرَ الرحمن وقد أكثره الله تعالى في التوراة. والمرادُ على الأول هو التسويةُ بين اللفظين بأنهما عبارتان عن ذات واحدةٍ وإن اختلف الاعتبارُ والتوحيدُ إنما هو للذات الذي هو المعبودُ، وعلى الثاني أنهما سيّان في حسن الإطلاقِ والإفضاء إلى المقصود وهو أوفق لقوله تعالى: {أَيّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأسماء الحسنى} والدعاءُ بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حُذف أولُهما استغناءً عنه، وأو للتخيير والتنوينُ في أيًا عوضٌ عن المضاف إليه وما مزيدةٌ لتأكيد ما في أي من الإبهام، والضميرُ في له للمسمّى لأن التسميةَ له لا للاسم وكان أصلُ الكلامِ أيًا ما تدعوا فهو حسنٌ فوضع موضعَه فله الأسماءُ الحسْنى للمبالغة والدِلالة على ما هو الدليلُ عليه، إذ حسنُ جميعِ أسمائِه يستدعي حسنَ ذينك الاسمين وكونُها حُسنى لدلالتها على صفات الكمالِ من الجلال والجمال والإكرام.
{وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءة صلاتِك بحيث تُسمع المشركين فإن ذلك يحملهم على السب واللغوِ فيها {وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} أي بقراءتها بحيث لا تُسمع من خلفك من المؤمنين {وابتغ بَيْنَ ذلك} أي بين الجهرِ والمخافتة على الوجه المذكور {سَبِيلًا} أمرًا وسَطًا قصْدًا فإن خيرَ الأمور أوساطُها، والتعبيرُ عن ذلك بالسبيل باعتبار أنه أمرٌ يتوجه إليه المتوجهون ويؤُمّه المقتدون ويوصلُهم إلى المطلوب، وروي أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان يخفِت ويقول: أناجي ربي وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر بها ويقول: أطرُد الشيطان وأوقظ الوسْنان، فلما نزلت أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يرفعَ قليلًا وعمرَ أن يخفِض قليلًا، وقيل: المعنى لا تجهَرْ بصلاتك كلِّها ولا تخافت بها بأسرها وابتغِ بين ذلك سبيلًا بالمخافتة نهارًا والجهرِ ليلًا، وقيل: بصلاتك بدعائك وذهب قوم إلى أنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.
{وَقُلِ الحمد لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} كما يزعم اليهودُ والنصارى وبنو مليح، حيث قالوا: عزيرٌ ابنُ الله والمسيحُ ابنُ الله والملائكةُ بناتُ الله تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا {وَلَم يَكُنْ لَّهُ شَرِيكٌ في الملك} أي الألوهيةِ كما يقوله الثنويةُ القائلون بتعدد الآلهة {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِىٌّ مَّنَ الذل} ناصرٌ ومانعٌ منه لاعتزازه، أو لم يوالِ أحدًا من أجل مذلةٍ ليدفعها به، وفي التعرض في أثناء الحمدِ لهذه الصفاتِ الجليلة إيذانٌ بأن المستحقَّ للحمد مَنْ هذه نعوتُه دون غيره، إذ بذلك يتم الكمالُ والقُدرةُ التامةُ على الإيجاد، وما يتفرّع عليه من إفاضة أنواعِ النعم وما عداه ناقصٌ مملوكٌ نعمةٌ أو منقمًا عليه، ولذلك عُطف عليه قولُه تعالى: {وَكَبّرْهُ تَكْبِيرًا} وفيه تنبيهٌ على أن العبدَ وإن بالغ في التنزيه والتمجّد واجتهد في الطاعة والتحميد ينبغي أن يعترِف بالقصور في ذلك. رُوي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أفصح الغلامُ من بني عبد المطلب علّمه هذه الآية الكريمة.
وعنه عليه الصلاة والسلام: «من قرأ سورةَ بني إسرائيلَ فرقّ قلبُه عند ذكرِ الوالدَين كان له قنطارٌ في الجنة» والقنطارُ ألفُ أوقية ومائتا أوقية والحمد لله سبحانه وله الكبرياء والعظمة والجبروت. اهـ.